فصل: (فَصْلٌ): (على من يَجِبُ الصَّوْمُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ]:

(صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ تُسَنُّ بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَةٍ دَائِمَةٍ بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ صَنْعَةٍ عَنْهُ)، أَيْ: الْمُتَصَدِّقِ، (وَعَمَّنْ يُمَوِّنُهُ) لِحَدِيثِ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (كُلَّ وَقْتٍ)، لِإِطْلَاقِ الْحَثِّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ.
(وَ) كَوْنُهَا (سِرًّا مِمَّا يَجِبُ، وَكَسْبُ يَدِهِ بِطِيبِ نَفْسٍ فِي صِحَّةٍ) أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وقَوْله تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَلِحَدِيثِ: «وَأَنْتَ صَحِيحٌ».
(وَ) كَوْنُهَا (فِي) شَهْرِ (رَمَضَانَ) أَفْضَلُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) كَوْنُهَا (فِي وَقْتِ حَاجَةٍ) أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}: (وَ) فِي (كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ كَالْعَشْرِ) الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، (وَ) كَ (الْحَرَمَيْنِ) أَفْضَلُ، لِكَثْرَةِ التَّضَاعُفِ.
(وَ) كَوْنُهَا (عَلَى جَارٍ) أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} وَحَدِيثِ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
(وَ) كَوْنُهَا عَلَى (عَالِمٍ وَدَيِّنٍ) أَفْضَلُ، لِمَزِيَّةِ الْعِلْمِ وَالدِّيَانَةِ، (وَ) كَوْنُهَا عَلَى (ذِي عَائِلَةٍ) أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، (وَ) كَوْنُهَا عَلَى (ذَوِي رَحِمٍ) لَهُ، (لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَاوَةٍ) بَيْنَهُمَا، لِحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَالْكَاشِحُ: مُضْمِرُ الْعَدَاوَةِ، (وَهِيَ)، أَيْ: الصَّدَقَةُ، (عَلَيْهِمْ)، أَيْ: ذَوِي رَحِمِهِ صَدَقَةٌ، وَ(صِلَةٌ) لِلْخَبَرِ (أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} وَيُسَنُّ أَنْ يَخُصَّ مَنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}. (وَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةً تَلْزَمُهُ) كَمُؤْنَةِ زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبٍ أَثِمَ، لِحَدِيثِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» إلَّا أَنْ يُوَافِقَهُ عِيَالُهُ عَلَى الْإِيثَارِ، فَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ إلَى فَقِيرٍ فِي السِّرِّ» وَالْمُرَادُ: جُهْدُ الْمُقِلِّ بَعْدَ حَاجَةِ عِيَالِهِ، وَمَا يَلْزَمُهُ، فَهُوَ جُهْدُهُ. (أَوْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ) بِـ (غَرِيمِهِ أَوْ) بِـ (كَفِيلِهِ) بِسَبَبِ صَدَقَتِهِ (أَثِمَ)، لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». (وَمَنْ أَرَادَهَا)، أَيْ: الصَّدَقَةَ، (بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَلَهُ عَائِلَةٌ لَهُمْ كِفَايَةٌ، أَوْ) لَهُ عَائِلَةٌ (يَكْفِيهِمْ بِمَكْسَبِهِ)، فَلَهُ ذَلِكَ، لِقِصَّةِ الصِّدِّيقِ، (أَوْ) كَانَ (وَحْدَهُ) لَا عِيَالَ لَهُ، (وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ) عَنْ الْمَسْأَلَةِ، (فَلَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ الضَّرَرِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لِعِيَالِهِ كِفَايَةٌ وَلَمْ يَكْفِهِمْ بِمَكْسَبِهِ، (حَرُمَ)، وَحُجِرَ عَلَيْهِ لِإِضَاعَةِ عِيَالِهِ، وَلِحَدِيثِ: «يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ؟ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَكَذَا إنْ كَانَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ. (وَكُرِهَ لِمَنْ لَا صَبْرَ) لَهُ عَلَى الضِّيقِ (أَوْ لَا عَادَةَ) لَهُ (عَلَى الضِّيقِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ) نَصًّا، لِأَنَّهُ نَوْعُ إضْرَارٍ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ لِيَتَصَدَّقَ. (قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ) فِي كِتَابِهِ السِّرُّ الْمَصُونُ: الْأَوْلَى أَنْ يَدَّخِرَ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ، وَإِنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ لَهُ مِرْفَقٌ، فَيُخْرِجُ مَا فِي يَدِهِ، فَيَنْقَطِعُ مِرْفَقُهُ، فَيُلَاقِي مِنْ الضَّرَرِ وَالذُّلِّ مَا يَكُونُ الْمَوْتُ دُونَهُ، فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْحَالِ الْحَاضِرَةِ، بَلْ يُصَوِّرُ كُلَّ مَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَنْظُرُونَ فِي الْعَوَاقِبِ، (وَقَدْ تَزَهَّدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأَخْرَجُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ احْتَاجُوا، فَدَخَلُوا فِي الْمَكْرُوهَاتِ)، وَالْحَازِمُ مَنْ يَحْفَظُ مَا فِي يَدِهِ، وَالْإِمْسَاكُ فِي حَقِّ الْكَرِيمِ جِهَادٌ، كَمَا أَنَّ إخْرَاجَ مَا فِي يَدِ الْبَخِيلِ جِهَادٌ، وَالْحَاجَةُ تُخْرِجُ إلَى كُلِّ مِحْنَةٍ.
(وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ الْمَالَ، يَعْبُدُ بِهِ رَبَّهُ وَيُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَصُونَ بِهِ نَفْسَهُ وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْخَلْقِ). وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ، فَلْيَجْعَلْهُ فِي قَرْنِ ثَوْرٍ، فَإِنَّهُ زَمَانٌ، مَنْ احْتَاجَ فِيهِ كَانَ أَوَّلَ مَا يَبْذُلُ دِينَهُ. وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي: لَوْ أَنَّ لِي دَجَاجَةً أَعُولُهَا خِفْتُ أَنْ أَكُونَ عَشَّارًا عَلَى الْجِسْرِ. (وَمَنْ مَيَّزَ شَيْئًا لِلصَّدَقَةِ) بِهِ (أَوْ وَكَّلَ فِيهِ)، أَيْ: بِالصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ، (ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ) عَنْ الصَّدَقَةِ، (سُنَّ) لَهُ (إمْضَاؤُهُ) مُخَالَفَةً لِلنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ، لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ. و(لَا) يُسَنُّ لَهُ (إبْدَالُ مَا أَعْطَى سَائِلًا فَسَخِطَهُ)، فَإِنْ قَبَضَهُ وَسَخِطَهُ، لَمْ يُعْطَ غَيْرَهُ. (وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ كَبِيرَةٌ) عَلَى نَصِّهِ، الْكَبِيرَةُ: مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ. (وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِهِ)، أَيْ: الْمَنِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ فِيهِ، وَفِي إبْطَالِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا: الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: (لَا) يَبْطُلُ الثَّوَابُ بِالْمَنِّ إذَا كَانَ (لِقَصْدِ تَرْبِيَةٍ وَتَأْدِيبٍ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. «أَنَّ النَّبِيَّ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا، فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ، فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي؟ فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا يَحِلُّ أَنْ يَمُنَّ إلَّا مَنْ كُفِرَ إحْسَانُهُ وَأُسِيءَ إلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يُعَدِّدَ إحْسَانَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إقَامَةِ الْحُجَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا عَلَى الْخَصْمِ.

.(فَرْعٌ): [الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ والْفَقِيرُ الصَّابِرُ]:

(الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ)، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَصْبِرُ، وَيَفْسُدُ دِينُهُ بِفَقْرِهِ. فَالْغِنَى لَهُ أَفْضَلُ، وَبِخِلَافِ غَنِيٍّ لَا يَشْكُرُ، وَيَحْمِلُهُ مَالُهُ عَلَى الطُّغْيَانِ. فَالْفَقْرُ لَهُ أَفْضَلُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ يَسْتَقِيمُ عَلَى الْحَالَتَيْنِ (وَفِي الصَّحِيحِ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى»)، أَيْ: يَدُ الْمُعْطِي خَيْرٌ مِنْ يَدِ الْآخِذِ. (وَوَقَعَ خِلَافٌ: هَلْ الْأَفْضَلُ كَسْبُ الْمَالِ وَصَرْفُهُ لِمُسْتَحِقَّيْهِ، أَوْ الِانْقِطَاعُ لِلْعِبَادَةِ)، وَتَرْكُ مُخَالَطَةِ النَّاسِ؟ (وَيَتَّجِهُ): الْأَصَحُّ: (الْأَوَّلُ لَتَعْدِي نَفْعِهِ، لَا مُطْلَقًا، بَلْ عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ أَوَّلَ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا صَرَفَهُ فِي نَفَقَةٍ وَجِهَادٍ، فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِلَّا فَالْمُنْقَطِعُ لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.كِتَابُ الصِّيَامِ:

لُغَةً: الْإِمْسَاكُ، يُقَالُ صَامَ النَّهَارُ، إذَا وَقَفَ سَيْرُ الشَّمْسِ، وَلِلسَّاكِتِ: صَائِمٌ، لِإِمْسَاكِهِ عَنْ الْكَلَامِ. وَمِنْهُ: {إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}، وَصَامَ الْفَرَسُ، إذَا أَمْسَكَ عَنْ الْعَلَفِ وَهُوَ قَائِمٌ، أَوْ: عَنْ الصَّهِيلِ فِي مَوْضِعِهِ. وَشَرْعًا: (إمْسَاكٌ بِنِيَّةٍ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ) هِيَ مُفْسِدَاتُهُ، الْآتِيَةُ (فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ). وَهُوَ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ (مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ)، وَهُوَ: الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ، غَيْرُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ. (وَصَوْمُ) شَهْرِ (رَمَضَانَ) مِنْ كُلِّ عَامٍ (أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ) الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ».. الْحَدِيثُ (وَفُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ) إجْمَاعًا، (فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ) إجْمَاعًا. (وَالْمُسْتَحَبُّ قَوْلُ: شَهْرُ رَمَضَانَ)، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}. (وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ: رَمَضَانُ، بِإِسْقَاطِ: شَهْرٍ)، لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَسُمِّيَ رَمَضَانَ لِحَرِّ جَوْفِ الصَّائِمِ فِيهِ وَرَمَضِهِ، الرَّمْضَاءُ: شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقِيلَ: لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنْ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ وَافَقَ شِدَّةَ الْحَرِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَحْرُقُ الذُّنُوبَ. وَقِيلَ: مَوْضُوعٌ لِغَيْرِ مَعْنًى كَبَقِيَّةِ الشُّهُورِ. وَجَمْعُهُ: رَمَضَانَاتٌ، وَأَرْمِضَةٌ، وَرَمَاضِينُ، وَأَرْمُضٌ، وَرَمَاضٌ، وَأَرَامِيضُ. (وَصَوْمُهُ)، أَيْ: شَهْرِ رَمَضَانَ (فَرْضٌ يَجِبُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ)، لِحَدِيثِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِهِ إذَنْ. وَيُسْتَحَبُّ تَرَائِي الْهِلَالِ وَقَوْلُ رَاءٍ مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ» رَوَاه ابْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَفْظُهُ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ» (فَلَوْ طَلَعَ) هِلَالُ رَمَضَانَ، وَيُعَبِّرُ الْفَلَكِيُّونَ عَنْ طُلُوعِهِ بِالْوِلَادَةِ (فِي السَّمَاءِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلنَّاسِ، لَمْ يَكُنْ هِلَالًا)، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. إذْ مَنَاطُ الْحُكْمِ بِرُؤْيَتِهِ لَا بِطُلُوعِهِ، لِحَدِيثِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» (فَإِنْ لَمْ يُرَ) الْهِلَالُ (مَعَ صَحْوِ) مَطْلَعِهِ (لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، لَمْ يَصُومُوا) يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، أَيْ: مَعَ صَحْوِ الْمَطْلَعِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، (وَلَوْ) كَانُوا (مُعْتَمَدِينَ حِسَابًا) مِمَّا هُوَ مَوْضُوعٌ فِي التَّقَاوِيمِ، وَلَوْ كَثُرَتْ إصَابَتُهُ، (فَبَانَ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ رَمَضَانَ، (لَمْ يُجْزِئْ) هُمْ صَوْمُهُ، لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِمْ إلَى مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ شَرْعًا. (وَإِنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ)، أَيْ: الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ (نَحْوُ غَيْمٍ أَوْ قَتَرٍ) بِالتَّحْرِيكِ: الْغَبَرَةُ، كَالْعَشَرَةِ، (وَجَبَ صِيَامُهُ)، أَيْ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ (حُكْمًا ظَنِّيًّا احْتِيَاطِيًّا) خُرُوجًا مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ (بِنِيَّةِ) أَنَّهُ مِنْ (رَمَضَانَ)، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ، وَأَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ: عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَاقْدُرُوا لَهُ» قَالَ نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ الْهِلَالَ، فَإِنْ رُئِيَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُرَ، وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ، أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ، أَصْبَحَ صَائِمًا. وَمَعْنَى اُقْدُرُوا لَهُ: ضَيِّقُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} وَالتَّضْيِيقُ: جَعْلُ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ رَاوِيهِ، وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، كَتَفْسِيرِ التَّفَرُّقِ فِي خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ. وَقَدْ صَنَّفَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّصَانِيفِ، وَنَصَرُوا الْمَذْهَبَ، وَرَدُّوا حُجَجَ الْمُخَالِفِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَإِنْ اشْتَغَلُوا عَنْ التَّرَائِيِ لِعَدُوٍّ، أَوْ حَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، وَذَلِكَ نَادِرٌ، فَيَنْسَحِبُ عَلَيْهِ ذَيْلُ الْغَالِبِ، وَفَارَقَ الْغَيْمَ وَالْقَتَرَ، فَإِنَّ وُقُوعَهُمَا غَالِبٌ، وَقَدْ اسْتَوَى مَعَهُمَا الِاحْتِمَالَانِ، فَعَمَلنَا بِأَحْوَطِهِمَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَيْسَ ذَلِكَ)، أَيْ: وُجُوبُ صِيَامِهِ حُكْمًا ظَنِّيًّا (بِشَكٍّ فِي النِّيَّةِ، بَلْ) شَكٍّ (فِي الْمَنْوِيِّ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ دَرْءِ اللَّوْمِ وَالضَّيْمِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْم. (وَيُجْزِئُ) صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ (إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْهُ)، أَيْ: رَمَضَانَ، بِأَنْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ، لِأَنَّ صَوْمَهُ قَدْ وُضِعَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ لِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، أَشْبَهَ الصَّوْمَ لِلرُّؤْيَةِ. (وَتَثْبُتُ) تَبَعًا لِوُجُوبِ صَوْمِهِ (أَحْكَامُ صَوْمِ) رَمَضَانَ (مِنْ صَلَاةِ تَرَاوِيحَ) احْتِيَاطًا، لِوَعْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ بِالْغُفْرَانِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ قِيَامُهُ كُلُّهُ إلَّا بِذَلِكَ، (وَ) مِنْ (وُجُوبِ كَفَّارَةٍ بِوَطْءٍ فِيهِ)، أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمِ، (وَ) مِنْ وُجُوبٍ (إمْسَاكٍ) عَلَى (مَنْ أَفْطَرَ) جَاهِلًا، أَوْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ (مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ) بِأَنْ لَمْ يَرَ مَعَ صَحْوٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي غُيِّرَ فِيهَا هِلَالُ رَمَضَانَ، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَ(لَا) تَثْبُتُ (بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ حُلُولِ أَجَلٍ وَوُقُوعِ) نَحْوِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ (مُعَلَّقٍ) بِدُخُولِ رَمَضَانَ، (وَانْقِضَاءِ عِدَّةٍ)، وَمُدَّةِ إيلَاءٍ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، خُولِفَ لِلنَّصِّ، وَاحْتِيَاطًا لِعِبَادَةٍ عَامَّةٍ. (وَكَذَا)، أَيْ: كَرَمَضَانَ فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ إذَا غُمَّ هِلَالُهُ (حُكْمُ شَهْرٍ) مُعَيَّنٍ (نَذَرَ صَوْمَهُ أَوْ) نَذَرَ (اعْتِكَافَهُ فِي وُجُوبِ شُرُوعٍ) فِي الْمَنْذُورِ فِيهِ (إذَا غُمَّ هِلَالُهُ)، أَيْ: الشَّهْرِ الْمَنْذُورِ احْتِيَاطًا، لَا فِي تَرَاوِيحَ، أَوْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ لِوَطْءٍ فِيهِ أَوْ إمْسَاكٍ، إنْ لَمْ يَكُنْ يُبَيِّتُ النِّيَّةَ وَنَحْوَهُ، لِخُصُوصِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ. (وَالْهِلَالُ الْمَرْئِيُّ نَهَارًا وَلَوْ) رُئِيَ (قَبْلَ الزَّوَالِ) فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ فِي آخِرِهِ (لِ) اللَّيْلَةِ (الْمُقْبِلَةِ) نَصًّا، (فَلَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ) إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ. (وَلَا) يُبَاحُ بِهِ (فِطْرٌ) إنْ كَانَ فِي آخِرِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ قَالَ: «جَاءَ كِتَابُ عُمَرَ أَنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا، فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تُمْسُوا، أَوْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ عَشِيَّةً» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا مُمْكِنَةٌ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ فِي الْجَوِّ يَقِلُّ بِهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ، أَوْ يَكُونُ قَوِيَّ النَّظَرِ. وَيَأْتِي أَنَّ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، أَنَّهَا تَطْلُقُ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا. (وَإِذَا ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ)، أَيْ: هِلَالِ رَمَضَانَ (بِبَلَدٍ، لَزِمَ الصَّوْمُ جَمِيعَ النَّاسِ) فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَيَكُونُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَمَنْ رَآهُ- نَصَّ عَلَيْهِ- لِحَدِيثِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَهُوَ خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ كَافَّةً، لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، كَحُلُولِ دَيْنٍ، وَوُقُوعِ طَلَاقٍ، وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ، وَنَحْوِهِ، فَكَذَا حُكْمُ الصَّوْمِ، وَلَوْ قُلْنَا بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَأَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهَا، بِخِلَافِ الْهِلَالِ، فَإِنَّهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ. (وَإِنْ ثَبَتَتْ) رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ (نَهَارًا) وَلَمْ يَكُونُوا بَيَّتُوا النِّيَّةَ لِنَحْوِ غَيْمٍ (أَمْسَكُوا) عَنْ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، (وَقَضَوْا) ذَلِكَ الْيَوْمَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصُومُوا (كَمَنْ أَسْلَمَ) فِي أَثْنَاءِ نَهَارٍ، (أَوْ عَقَلَ) مِنْ جُنُونٍ، (أَوْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) فِي أَثْنَاءِ نَهَارٍ، فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ (أَوْ تَعَمَّدَ مُقِيمٌ) الْفِطْرَ، (أَوْ) تَعَمَّدَتْ (طَاهِرٌ الْفِطْرَ، فَسَافَرَ) الْمُقِيمُ بَعْدَ فِطْرِهِ عَمْدًا، (أَوْ حَاضَتْ) الطَّاهِرُ بَعْدَ فِطْرِهَا تَعَمُّدًا، لَزِمَهُمَا إمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ السَّفَرِ وَالْحَيْضِ نَصًّا، عُقُوبَةً وَالْقَضَاءُ، (أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ بَرِئَ مَرِيضٌ مُفْطِرَيْنِ) فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، لَزِمَهُمَا الْإِمْسَاكُ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ، وَالْقَضَاءُ، (وَلَهُمْ) الْمَذْكُورِينَ (ثَوَابُ إمْسَاكٍ لَا ثَوَابُ صِيَامٍ)، لِأَنَّهُمْ مُمْسِكُونَ لَا صَائِمُونَ، (وَكَذَا لَوْ بَلَغَ صَغِيرٌ) ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى (فِي أَثْنَائِهِ)، أَيْ: يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ (بِسِنٍّ)، أَيْ: تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ) بَلَغَ بِـ (احْتِلَامٍ)، أَيْ: إنْزَالِ مَنِيٍّ حَالَ كَوْنِهِ (مُفْطِرًا)، لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِتَكْلِيفِهِ وَالْقَضَاءُ.
(وَ) إنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ (صَائِمًا وَقَدْ نَوَى) الصَّوْمَ (مِنْ اللَّيْلِ، أَتَمَّ) صِيَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَأَجْزَأَ)، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (كَنَذْرِ إتْمَامِ نَفْلٍ) بِخِلَافِ صَلَاةٍ وَحَجٍّ بَلَغَ فِيهِمَا غَيْرَ مَا يَأْتِي فِي الْحَجِّ، (وَإِنْ عَلِمَ مُسَافِرٌ) بِرَمَضَانَ (أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا) بَلَدَ قَصْدِهِ (لَزِمَهُ الصَّوْمُ) نَصًّا، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَعَلِمَ يَوْمَ قُدُومِهِ، فَيَنْوِيهِ مِنْ اللَّيْلِ، (لَا صَغِيرٌ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ غَدًا) بِرَمَضَانَ، فَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ (لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ) قَبْلَ دُخُولِ الْغَدِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ.

.(فَصْلٌ): [مَنْ تُقْبَلُ شهادتهُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ]:

(وَيُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ خَاصَّةً خَبَرُ مُكَلَّفٍ) لَا مُمَيِّزٍ، (عَدْلٍ) لَا مَسْتُورِ الْحَالِ نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «جَاءَ أَعْرَابِيُّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَأَيْتُ الْهِلَالَ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَا بِلَالُ، أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ «وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، بِخِلَافِ آخِرِ الشَّهْرِ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُخْبِرُ بِهِ (عَبْدًا أَوْ أُنْثَى) كَالرِّوَايَةِ، (أَوْ) كَانَ إخْبَارُهُ (بِدُونِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ) لِلْخَبَرَيْنِ، (أَوْ) كَانَ مَعَ مَنْ رَآهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَرَوْهُ، أَوْ رَآهُ وَحْدَهُ (بِصَحْوٍ) أَوْ غَيْمٍ، دَاخِلَ الْبَلَدِ أَوْ خَارِجَهُ، (وَلَا يَخْتَصُّ) ثُبُوتُهُ (بِحَاكِمٍ، فَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَ رُؤْيَتَهُ مِنْ عَدْلٍ وَلَوْ رَدَّهُ الْحَاكِمُ)، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَالِ الْمُخْبِرِ، وَقَدْ يَجْهَلُ الْحَاكِمُ مَنْ يَعْلَمُ غَيْرُهُ عَدَالَتَهُ. (وَتَثْبُتُ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ وُقُوعِ) طَلَاقٍ (مُعَلَّقٍ وَنَحْوِهِ) كَحُلُولِ دَيْنٍ تَبَعًا، (وَلَا يُقْبَلُ فِي بَاقِي الشُّهُورِ إلَّا رَجُلَانِ عَدْلَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ) كَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَةِ (وَلَوْ صَامُوا)، أَيْ: النَّاسُ (ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ)، أَيْ: هِلَالَ شَوَّالٍ، (قَضَوْا يَوْمًا) وَاحِدًا (فَقَطْ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَلِبُعْدِ الْغَلَطِ بِيَوْمَيْنِ.
(وَ) إنْ صَامُوا (بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ) عَدْلَيْنِ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (وَلَمْ يَرَوْهُ)، أَيْ: هِلَالَ شَوَّالٍ، (أَفْطَرُوا) مَعَ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلَيْنِ يَثْبُتُ بِهَا الْفِطْرُ ابْتِدَاءً، فَتَبَعًا لِثُبُوتِ الصَّوْمِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُمَا أَخْبَرَا بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ عَنْ يَقِينٍ وَمُشَاهَدَةٍ، فَلَا يُقَابِلُهَا الْإِخْبَارُ بِنَفْيٍ وَعَدَمِ يَقِينٍ مَعَهُ، لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الرُّؤْيَةِ بِمَكَانٍ آخَرَ، وَ(لَا) يُفْطِرُوا إنْ صَامُوا (بـِ) شَهَادَةِ (وَاحِدٍ) ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْهُ، لِحَدِيثِ: «وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» وَلِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَسْتَنِدُ إلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ، بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْقَرَائِنِ، (وَلَا) إنْ صَامُوا (لِغَيْمٍ) ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْهُ، فَلَا يُفْطِرُونَ، لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا، فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ، وَهُوَ بَقَاءُ رَمَضَانَ أَوْلَى. (فَلَوْ غُمَّ) الْهِلَالُ (لِشَعْبَانَ، وَ) غُمَّ أَيْضًا لِـ (رَمَضَانَ، وَجَبَ تَقْدِيرُ رَجَبٍ، وَ) تَقْدِيرُ (شَعْبَانَ نَاقِصَيْنِ) احْتِيَاطًا، لِوُجُوبِ الصَّوْمِ (فَلَا يُفْطِرُوا قَبْلَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ) يَوْمًا (بِلَا رُؤْيَةٍ)، لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ رَمَضَانَ (وَكَذَا الزِّيَادَةُ)، أَيْ: زِيَادَةُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ عَلَى الصَّوْمِ الْوَاجِبِ (لَوْ غُمَّ) الْهِلَالُ (لِرَمَضَانَ وَشَوَّالٍ، وَ) صُمْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ (أَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ)، أَيْ: فَرَضْنَاهُمَا كَامِلَيْنِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ (وَ) بَانَ أَنَّهُمَا (كَانَا نَاقِصَيْنِ) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ (وَ) عَلَى هَذَا فَ (قِسْ لَوْ غُمَّ رَجَبٌ وَشَعْبَانُ وَرَمَضَانُ)، أَيْ: فَلَا يُفْطِرُونَ قَبْلَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ بِلَا رُؤْيَةٍ. (وَلَا يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ) نَقْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: قَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ، وَقَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، يَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَقَطْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ»، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا: لَا يَجْتَمِعُ نُقْصَانُهُمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: غَالِبًا، وَقِيلَ لَا يَنْقُصُ أَجْرُ الْعَمَلِ فِيهِمَا بِنَقْصِ عَدَدِهِمَا، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ تَأْوِيلَهُ عَلَى السَّنَةِ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِيهَا. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَقَدْ رَأَيْنَاهُمَا يَنْقُصَانِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (مَنْ قَالَ: إنْ رُئِيَ الْهِلَالُ صَبِيحَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ، فَالشَّهْرُ تَامٌّ، وَإِنْ لَمْ يُرَ، فَنَاقِصٌ) هَذَا إنْ ثَبَتَ (فـَ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْتِتَارَ الْهِلَالِ لَا يَكُونُ إلَّا لَيْلَتَيْنِ، وَ(لَيْسَ بِصَحِيحٍ)، لِوُجُودِ خِلَافِهِ، بَلْ قَدْ يَسْتَتِرُ لَيْلَةً تَارَةً، وَثَلَاثَ لَيَالٍ أُخْرَى. (وَمَنْ رَآهُ)، أَيْ: الْهِلَالَ (وَحْدَهُ لِ) شَهْرِ (رَمَضَانَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ) لِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، (لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَجَمِيعُ أَحْكَامِ الشَّهْرِ مِنْ نَحْوِ طَلَاقٍ) كَظِهَارٍ (وَعِتْقٍ مُعَلَّقٍ بِهِ)، لِأَنَّهُ يَوْمٌ عَلِمَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ شَعْبَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ظَاهِرًا لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ، وَيَلْزَمُهُ إمْسَاكُهُ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ، وَالْكَفَّارَةُ إنْ جَامَعَ فِيهِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُقُوبَةً مَحْضَةً بَلْ عِبَادَةً أَوْ فِيهَا شَائِبَتُهَا.
(وَ) إنْ رَآهُ وَحْدَهُ (لِ) شَهْرِ (شَوَّالٍ لَمْ يُفْطِرْ وُجُوبًا) نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، لِحَدِيثِ «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
(وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ الْفِطْرُ سِرًّا، وَحَسَّنَهُ فِي) الْإِنْصَافِ (وَالْإِقْنَاعِ) لِأَنَّهُ تَيَقَّنَهُ يَوْمَ عِيدٍ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ صَوْمِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَهُوَ)، أَيْ: مَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: (الصَّوَابُ لِمَنْ تَيَقَّنَهُ تَيَقُّنًا لَا لَبْسَ مَعَهُ) وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ: يُفْطِرُ، وَقِيلَ: سِرًّا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ رُؤْيَتَهُ وَحْدَهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْيَقِينُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، إذْ يَجُوزُ أَنَّهُ خُيِّلَ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّهَمَ فِي رُؤْيَتِهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، وَمُوَافَقَةً لِمَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. (وَالْمُنْفَرِدُ بِرُؤْيَتِهِ) أَيْ: هِلَالِ شَوَّالٍ (بِنَحْوِ مَفَازَةٍ) كَمُعْتَقَلٍ فِي مَكَان لَا يَدْخُلُ إلَيْهِ أَحَدٌ (يَبْنِي عَلَى يَقِينِ رُؤْيَتِهِ) فَيُفْطِرُ (لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ)، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ شَهِدَا) أَيْ: شَهِدَ اثْنَانِ (بِهِ)، أَيْ: بِهِلَالِ شَوَّالٍ (عِنْدَ حَاكِمٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا)، أَيْ: رَدَّهَا الْحَاكِمُ لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا، لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا، وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ، وَجَعْلِ مَرْتَبَةِ الْحَاكِمِ لِكُلِّ إنْسَانٍ، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْإِقْنَاعِ: وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَ حَاكِمٍ فَرَدَّ شَهَادَتَهُمَا لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا، (فَلِعَالَمٍ بِعَدَالَتِهِمَا) الْفِطْرُ. (وَيَتَّجِهُ: بَلْ) يَجِبُ (عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى الْعَالِمِ بِعَدَالَتِهِمَا، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا بَأْسَ بِهِ،- (الْفِطْرُ لِأَنَّ رَدَّهُ)، أَيْ: الْحَاكِمِ لِشَهَادَتِهِمَا هَاهُنَا (تَوَقُّفٌ) مِنْهُ عَنْ الْحُكْمِ بِهَا، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَالِهِمَا (لَا حُكْمٌ)، أَيْ: لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْهُ بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا، فَأَشْبَهَ الْمُنْتَظِرَ لِبَيِّنَةٍ بِخَبَرِ عَدَالَتِهِمَا، وَلِهَذَا لَوْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَنْ زَكَّاهُمَا كَانَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِهَا، لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَأَمَّا إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا، فَلَيْسَ لَهُمَا، وَلَا لِغَيْرِهِمَا الْفِطْرُ بِشَهَادَتِهِمَا. وَإِنْ رَآهُ عَدْلَانِ، وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ جَازَ لِمَنْ سَمِعَ بِشَهَادَتِهِمَا الْفِطْرُ إذَا عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا، (وَيُفْطِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا)، أَيْ: الشَّاهِدَيْنِ (بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَ) رُؤْيَةِ (رَفِيقِهِ) إذَا عَرَفَ عَدَالَتَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا شَهِدَ اثْنَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» رَوَاه النَّسَائِيّ. وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا عَدَالَةَ الْآخَرِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ، لِاحْتِمَالِ فِسْقِهِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ فَيَزُولُ اللَّبْسُ، وَكَذَا لَوْ جَهِلَ غَيْرُهُمَا عَدَالَتَهُمَا، أَوْ عَدَالَةَ أَحَدِهِمَا. فَلَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ الْحَاكِمُ. (وَيُنْكَرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ بِرَمَضَانَ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ)، قَالَهُ الْقَاضِي.
(وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَتْ أَعْذَارٌ خَفِيَّةٌ مَنَعَتْ مِنْ إظْهَارِهِ كَ) مَرِيضٍ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ، وَ(مُسَافِرٍ لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ) بِخِلَافِ الْأَعْذَارِ الظَّاهِرَةِ، (وَإِنَّمَا مُنِعَ) إظْهَارُهُ (لِئَلَّا يُتَّهَمَ). انْتَهَى.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: أَكْرَهُ الْمَدْخَلَ السُّوءَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّيبَةِ. (وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى مَنْ أُسِرَ أَوْ طُمِرَ أَوْ بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهِ) كَمَنْ بِدَارِ حَرْبٍ، (تَحَرَّى)، أَيْ: اجْتَهَدَ فِي مَعْرِفَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ (وُجُوبًا)، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَزِمَهُ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، (وَصَامَ) الَّذِي ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ رَمَضَانُ، (وَيُجْزِئُهُ) الصَّوْمُ (إنْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ صَوْمُهُ قَبْلَهُ)، أَيْ: قَبْلَ رَمَضَانَ، (أَوْ) وَقَعَ (بَعْدَهُ)، لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ بِاجْتِهَادٍ، وَلَا يَضُرُّ تَرَدُّدُهُ فِي النِّيَّةِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، (كَمَا لَوْ وَافَقَهُ)، أَيْ: رَمَضَانَ (أَوْ) وَافَقَ (مَا بَعْدَهُ)، أَيْ: بَعْدَ رَمَضَانَ كَذِي الْحِجَّةِ أَوْ مُحَرَّمٍ وَنَحْوِهِ كَالصَّلَاةِ، (لَا إنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ رَمَضَانَ (الْقَابِلَ، فَلَا يُجْزِئُ) هـ (عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)، أَيْ: الرَّمَضَانَيْنِ (اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
(وَ) إنْ صَامَ شَوَّالًا أَوْ ذِي الْحِجَّةِ، فَإِنَّهُ (يَقْضِي مَا وَافَقَ عِيدًا أَوْ أَيَّامَ تَشْرِيقٍ)، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا عَنْ رَمَضَانَ، (وَلَوْ صَامَ) مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَشْهُرُ (شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً، ثُمَّ عَلِمَ) الْحَالَ، (قَضَى مَا فَاتَ) وَهُوَ رَمَضَانُ ثَلَاثَ سِنِينَ قَضَاءً، (مُرَتِّبًا شَهْرًا عَلَى إثْرِ شَهْرٍ) بِالْبَيِّنَةِ (كَصَلَاةٍ فَائِتَةٍ) نَصًّا، نَقَلَهُ مُهَنَّا. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ)، فَيَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ شَعْبَانَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ) فَصَامَ، لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَصَابَ، (أَوْ شَكَّ) أَنْ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ (فَصَامَ، لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَصَابَ) كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ.

.(فَصْلٌ): [على من يَجِبُ الصَّوْمُ]:

(وَيَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ}، فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ «قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةً بِالْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا صَامُوا مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ» وَلِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ. (قَادِرٍ) عَلَى صَوْمٍ لَا عَلَى عَاجِزٍ عَنْهُ لِنَحْوِ مَرَضٍ لِلْآيَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ، وَلَا صَغِيرٍ، وَلَوْ مُرَاهِقًا، لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَيَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ كَالصَّلَاةِ لَا مِنْ مَجْنُونٍ، (لَكِنْ عَلَى وَلِيِّ صَغِيرٍ مُطِيقٍ) لِلصَّوْمِ (أَمْرُهُ بِهِ، وَضَرْبُهُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ) إذَا بَلَغَ كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الصَّوْمَ أَشَقُّ فَاعْتُبِرَتْ الطَّاقَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطِيقُ الصَّلَاةَ مَنْ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ. (وَفِي الْمُغْنِي اعْتِبَارُهُ)، أَيْ: أَمْرِ الصَّغِيرِ بِالصَّوْمِ (بِالْعَشْرِ أَوْلَى)، لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرْبِ عِنْدَهَا. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ تَفْصِيلَهُ) أَيْ: الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ (كـَ) تَفْصِيلِ الْأَمْرِ بَال (صَّلَاةِ)، مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ لِسَبْعٍ إنْ أَطَاقَهُ، وَحَدَّ الْإِطَاقَةَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَا يَضُرُّهُ، (فَهِيَ)، أَيْ: الصَّلَاةُ (آكَدُ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهَا لَا مَضَرَّةَ فِي مُدَاوَمَةِ الْمُمَيِّزِ عَلَيْهَا. (وَلَا يُضْرَبُ) مُمَيِّزٌ عَلَى تَرْكِهِ (إلَّا لِعَشْرٍ) وَلَوْ أَطَاقَهُ؛ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَنْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ: الصَّوْمِ (لِكِبَرٍ) كَشَيْخٍ هَرِمٍ وَعَجُوزٍ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً (أَوْ) عَجَزَ عَنْهُ (لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بَرْؤُهُ، أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ)، أَيْ مَنْ عَجَزَ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بَرْؤُهُ، إنْ كَانَ فِطْرُهُ (لَا مَعَ) عُذْرٍ مُعْتَادٍ (نَحْوِ سَفَرٍ: عَنْ كُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ مُدَّانِ مِنْ غَيْرِهِ)، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَعْنَاهُ: عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذَكَرَهُ وَأَلْحَقَ بِهِ مَنْ لَا يُرْجَى بَرْءُ مَرَضِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَاجِزُ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بَرْؤُهُ مُسَافِرًا فَلَا فِدْيَةَ لِفِطْرِهِ بِعُذْرٍ مُعْتَادٍ وَلَا قَضَاءَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَيُعَايَا بِهَا. (وَلَا يَسْقُطُ) الْإِطْعَامُ (بِعَجْزٍ) عَنْهُ (وَلَا يُجْزِئُ صَوْمُ غَيْرِهِ) أَيْ: الْمَعْذُورِ (عَنْهُ) كَالصَّلَاةِ. (وَمَنْ أَيِسَ) مِنْ بَرْئِهِ (ثُمَّ قَدَرَ عَلَى قَضَاءٍ لَمْ يَقْضِ) مَا أَفْطَرَهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَعْضُوبٍ عَجَزَ عَنْ حَجٍّ، وَأَحَجَّ عَنْهُ، ثُمَّ عُوفِيَ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ. (وَيَتَّجِهُ: هَذَا) أَيْ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ (إنْ كَانَ قَدْ أَطْعَمَ) قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ (لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ بَدَلٍ وَمُبْدَلٍ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَطْعَمَ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَعْضُوبٍ عُوفِيَ قَبْلَ إحْرَامِ نَائِبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ فِطْرٌ وَكُرِهَ صَوْمٌ) لِمُسَافِرٍ (بِسَفَرِ قَصْرٍ) أَيْ: فِي أَثْنَائِهِ (وَلَوْ بِلَا مَشَقَّةٍ) لِحَدِيثِ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَزَادَ: «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ، فَاقْبَلُوهَا» وَإِنْ صَامَ أَجْزَأَهُ نَصًّا؛ لِحَدِيثِ «هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا، فَهُوَ حَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. (فَلَوْ سَافَرَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِرَمَضَانَ (لِيُفْطِرَ) فِيهِ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ (فِطْرٌ) أَمَّا السَّفَرُ فَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْفِطْرِ الْمُحَرِّمِ، وَأَمَّا الْفِطْرُ فَلِعَدَمِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ السَّفَرُ الْمُبَاحِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) قَوِيٌّ: (وَكَذَا) لَوْ سَافَرَ (لِيَقْصُرَ) الرَّبَاعِيَةَ (وَيَمْسَحَ ثَلَاثًا)، فَيَحْرُمُ السَّفَرُ لِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَبِيحُ الْمَسْحَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) سُنَّ فِطْرٌ وَكُرِهَ صَوْمٌ (لِخَوْفِ مَرَضٍ بِعَطَشٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ بِتَضَرُّرِهِ بِالصَّوْمِ.
(وَ) سُنَّ فِطْرٌ وَكُرِهَ صَوْمٌ (لِخَوْفِ مَرِيضٍ وَحَادِثٍ بِهِ فِي يَوْمِهِ ضَرَرًا بِزِيَادَتِهِ أَوْ طُولِهِ) أَيْ: الْمَرَضِ، (وَلَوْ بِقَوْلِ) طَبِيبٍ غَيْرِ مُسْلِمٍ (ثِقَةٍ) مَا لَمْ يَكُنْ الْمَرِيضُ طَبِيبًا، وَلَوْ فَاسِقًا كَإِفْتَاءِ فَاسِقٍ نَفْسَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. إلَى قَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} وَ(لَا) يُبَاحُ فِطْرٌ (لِمَنْ) أَيْ: مَرِيضٍ (لَمْ يَتَضَرَّرُ بِهِ) أَيْ: الصَّوْمِ (كَمَنْ بِهِ جَرَبٌ أَوْ وَجَعُ ضِرْسٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ دُمَّلٌ وَنَحْوُهُ)، قِيلَ لِأَحْمَدَ: مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ، قِيلَ: مِثْلُ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى؟ (وَيُبَاحُ فِطْرٌ بِقَوْلِهِ) أَيْ: الطَّبِيبِ الثِّقَةِ: (إنَّ الصَّوْمَ مِمَّا يُمَكِّنُ الْعِلَّةَ، أَوْ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الصَّوْمَ (لَا يَنْفَعُ مَعَهُ تَدَاوٍ) كَمَنْ بِهِ (نَحْوُ مَرَضٍ) يَضُرُّهُ تَرْكُ التَّدَاوِي، (وَرَمَدٍ) يُخْشَى زِيَادَتُهُ بِتَرْكِ الِاكْتِحَالِ (وَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ) كَذَلِكَ.
(وَقَالَ) أَبُو بَكْرٍ (الْآجُرِّيُّ: مَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ فَإِنْ خَافَ) بِالصَّوْمِ (تَلَفًا، أَفْطَرَ وَقَضَى) إنْ ضَرَّهُ تَرْكُ الصَّنْعَةِ، (فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ تَرْكُهَا أَثِمَ) بِالْفِطْرِ وَيَتْرُكُهَا، (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِ الضَّرَرُ بِتَرْكِهَا، (فَلَا) إثْمَ عَلَيْهِ بِالْفِطْرِ لِلْعُذْرِ (وَمَنْ قَاتَلَ عَدُوًّا أَوْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِبَلَدِهِ، وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُ) عَنْ الْقِتَالِ، (سَاغَ لَهُ الْفِطْرُ) بِدُونِ سَفَرٍ (نَصًّا) فَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَمَرَ بِهِ لَمَّا نَازَلَ الْعَدُوُّ دِمَشْقَ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَإِنْ نَوَى حَاضِرٌ صَوْمَ يَوْمٍ) بِرَمَضَانَ (وَسَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: الْيَوْمِ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا، (فَلَهُ الْفِطْرُ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ كَالْمَرَضِ الطَّارِئِ وَلَوْ بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا حَيْثُ وَجَبَ إتْمَامُهَا لَمْ تَقْصُرْ، لِآكَدِيَّتِهَا، وَعَدَمِ مَشَقَّةِ إتْمَامِهَا، (إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ) الْعَامِرَةَ وَنَحْوَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا، (وَالْأَفْضَلُ) لِحَاضِرٍ نَوَى صَوْمًا، وَسَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ (عَدَمُهُ)، أَيْ: عَدَمِ الْفِطْرِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَيَتَّجِهُ: لُزُومُ تَبْيِيتِ نِيَّةِ) الصَّوْمِ (مِمَّنْ نَوَى السَّفَرَ نَهَارًا)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ عَائِقٌ عَنْ السَّفَرِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ الْفِطْرُ لِلْمُسَافِرِ إلَّا إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةَ (وَجَازَ وَطْءٌ لِمَنْ بِهِ مَرَضٌ يَنْتَفِعُ بِهِ)، أَيْ: الْوَطْءِ (فِيهِ)، أَيْ: الْمَرَضِ، كَالْمُدَاوَاةِ (وَمَنْ بِهِ شَبَقٌ يَخَافُ تَشَقُّقَ نَحْوِ ذَكَرِهِ)- كَأُنْثَيَيْهِ إنْ لَمْ يَطَأْ، (وَلَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِدُونِ وَطْءٍ كَاسْتِمْنَاءٍ بِيَدِهِ، أَوْ يَدِ زَوْجَتِهِ) كَسُرِّيَّتِهِ-، (جَامَعَ، وَلَا كَفَّارَةَ) نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ، فَإِنْ انْدَفَعَتْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيَقْضِي) عَدَدَ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ) عَلَيْهِ (قَضَاءٌ لِشَبَقٍ فَيُطْعِمُ) لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، (كَكَبِيرٍ) عَاجِزٍ عَنْ صَوْمٍ، (وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْهُ) الْوَطْءُ لِدَفْعِ الشَّبَقِ (إلَّا بِإِفْسَادِ صَوْمِ مَوْطُوءَةٍ)، بِأَنْ لَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِاسْتِمْنَاءٍ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ، وَلَا بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ، (جَازَ) لَهُ الْوَطْءُ (ضَرُورَةً) أَيْ لِدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ كَأَكْلِ مُضْطَرٍّ مَيِّتَةً، فَإِنْ كَانَ حَائِضٌ وَصَائِمَةٌ طَاهِرٌ مِنْ زَوْجَةٍ وَسُرِّيَّةٍ (فـَ) وَطْءُ طَاهِرٍ (صَائِمَةٍ أَوْلَى مِنْ) وَطْءِ (حَائِضٍ)، لِنَهْيِ الْكِتَابِ عَنْ وَطْءِ الْحَائِضِ، وَتَعَدِّي ضَرَرِهِ. (وَتَتَعَيَّنُ) لِلْوَطْءِ (مَنْ لَمْ تَبْلُغْ) مِنْ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ مُبَاحَةٍ (كَمَجْنُونَةٍ وَكِتَابِيَّةٍ) لِتَحْرِيمِ إفْسَادِ صَوْمِ الْبَالِغَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ إلَيْهِ. (وَكُرِهَ صَوْمُ حَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِنَّ أَوْ) خَافَتَا عَلَى (الْوَلَدِ) كَالْمَرِيضِ، وَأَوْلَى، (وَيَقْضِيَانِ لِفِطْرٍ) عَدَدَ أَيَّامِ فِطْرِهِمَا لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى الْقَضَاءِ (وَيَلْزَمُ مَنْ يُمَوِّنُ الْوَلَدَ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ فَقَطْ) مِنْ الصَّوْمِ (إطْعَامُ مِسْكِينٍ فَوْرًا) لِوُجُوبِهِ كَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَقْيَسُ (لِكُلِّ يَوْمٍ) أَفْطَرَتْهُ حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ (مَا) أَيْ: طَعَامًا (يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ رُخْصَةٌ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ، وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا، أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ فِطْرٌ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ، فَوَجَبَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ، كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ. (وَتُجْزِئُ) كَفَّارَةٌ (لِ) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ جُمْلَةً) وَاحِدَةً، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ (وَمَتَى قَبِلَ رَضِيعٌ ثَدْيِ غَيْرِهَا) أَيْ أُمِّهِ (وَقَدَرَ وَلِيُّهُ يَسْتَأْجِرُ لَهُ، لَمْ تُفْطِرْ أُمُّهُ)؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (وَظِئْرٌ) أَيْ: مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِ غَيْرِهَا (كَأُمٍّ) فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ إنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ الرَّضِيعِ، فَإِنْ وَجَبَ إطْعَامٌ فَعَلَى مَنْ يُمَوِّنُهُ، (فَلَوْ تَغَيَّرَ لَبَنُهَا) أَيْ الظِّئْرِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْإِرْضَاعِ (بـِ) سَبَبِ (صَوْمِهَا أَوْ نَقَصَ) لَبَنُهَا بِصَوْمِهَا، (فَلِمُسْتَأْجَرِ) هَا (الْفَسْخُ) لِلْإِجَارَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. (وَتَأْثَمُ) مُرْضِعَةٌ صَامَتْ (بِقَصْدِ إضْرَارِ) مُرْتَضِعٍ (وَتُجْبَرُ) أَيْ: يُجْبِرُهَا الْحَاكِمُ بِطَلَبِ مُسْتَأْجِرٍ (عَلَى فِطْرٍ إنْ تَأَذَّى رَضِيعٌ) بِصَوْمِهَا، فَإِنْ قَصَدَتْ الْأَضْرَارَ أَثِمَتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. (وَيَجِبُ فِطْرٌ عَلَى مَنْ احْتَاجَهُ) أَيْ: الْفِطْرَ (لِإِنْقَاذِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ كَغَرَقٍ وَنَحْوِهِ)؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَدَارُكُ الصَّوْمِ بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ.
(وَ) إنْ جُعِلَ لِمُنْقِذِ مَعْصُومٍ ضَعُفَ فِي نَفْسِهِ بِسَبَبِ إنْقَاذِهِ فَأَفْطَرَ، فَ (لَا يَفْدِي) هُوَ وَلَا الْمَعْصُومُ، كَالْمَرِيضِ، (وَإِنْ قَدَرَ) الْمُنْقِذُ عَلَى الْإِنْقَاذِ (بِدُونِ فِطْرٍ) وَجَبَ عَلَيْهِ وَ(حَرُمَ) الْفِطْرُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (فَإِنْ دَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ لَمْ يُفْطِرْ) لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ بِذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ كَآدَمِيٍّ) فِي وُجُوبِ إنْقَاذِهِ، وَوُجُوبِ الْفِطْرِ عَلَى مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِإِنْقَاذِ (حَيَوَانٍ مُحْتَرِمٍ) تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ الْمَهْلَكَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ صَوْمُ مَنْ خَافَ تَلَفًا) بِصَوْمِهِ (وَيُكْرَهُ)، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ: صَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: (يَحْرُمُ) صَوْمُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْهُمْ ذَكَرُوا فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ: يَجِبُ فِطْرُهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَهُوَ) أَيْ: الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ؛ (الْأَصَحُّ) لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ.
قَالَ الْآجُرِّيُّ: (وَلَيْسَ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ فِطْرٌ بِرَمَضَانَ) كَمُسَافِرٍ (صَوْمُ غَيْرِهِ) أَيْ: رَمَضَانَ (فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يَسَعُ غَيْرَ مَا فُرِضَ فِيهِ، (وَيَلْغُو صَوْمُهُ) إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ، لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ، (وَكَذَا لَوْ قَلَبَهُ) أَيْ: صَوْمَ رَمَضَانَ (نَفْلًا)، لَمْ يَصِحَّ لَهُ النَّفَلُ، وَبَطَلَ فَرْضُهُ لِقَطْعِ نِيَّتِهِ.